فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في ذكر آدم عليه السلام:
له أَسماءٌ خمسة: الإِنسان، والبشرُ، وأَبُو البَشَرِ، وآدَمُ، والخَلِيفَةُ.
أَمّا آدم فمشتقٌّ من الأُدْمَة، وهى بَياضُ اللَّوْن.
وقيل: لَوْنٌ بين البَياض والسَّوادِ كلَوْن الحِنطة، وقيل: لأَنَّه خُلِقَ من أَدِيِم الأَرْضِ.
وأَمّا الخَليفة فلقوله تعالىَ: {جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} والخَلِيفَةُ والخَلِيفُ مَن يخلف مَنْ تقدّمَه.
وكان آدمُ خَلَفَ قومًا من الخَلْق يسمَّوْن الجانَ بن الجان، ولكونه ناب مَناب ملائكة السّماء.
وأَمَّا البَشَرُ فلقوله تعالى: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ} قيل: وسُمّىَ بَشَرًا لمبُاشَرته عظائِمَ الأُمور.
وقيل: لما كان في وَجْهِه من البِشْرِ والبَشاشة.
وسُمِّىَ إِنسانًا لأُنْسه بجنْسه، فالإِنسان من اجْتَمَع فيه إِنسان أُنْسه بالغَيْر وأُنْسِ الغَيْرِ به، وقيل: اشتقاق من النَّوْسِ وهو الحركَة لكثرة حَرَكَته فيما يَتَحَرّاه، وقيل: من الإِيناس وهو الإِبْصارُ، لأَنَّه ببَصرِه الظَّاهر وبَصِيرَته الباطنة يَرَى رُشْدَه ويَصِل إِليه.
وفى بعض الآثار أَنَّ آدم عليه السّلام قيل له: كَيْفَ وَجَدْت نَفْسَك عند الزَلَّة؟ قال كرَجُلٍ انكسرت أَعضاؤه فلم يَبْقَ مَفْصِلٌ مع مَفْصِلٍ، فقيل له: كيف وَجَدت نَفْسَك عند الخُروج من الجنَّة؟ فقال: الموتُ أَهْوَن علىّ من ذلك.
وفى الحديث أَنَّ مُوسَى قال له ليلة المِعْراج: «يا آدَمُ أَخْرَجْتَنا من الجنَّة! فقال: يا مُوسَى هو شيء كَتَبَه الله علىّ أَمْ شيء من ذات نفسى؟ فقال: لا بل شيء كتب الله عليك».
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم: «فعند ذلك حَجَّ آدمُ موسَى»، أَى غَلَبه.
وقد ذكره الله تعالى في القرآن في عشرين مَوْضِعًا، ففى سبعةِ مواضعَ مختصٌّ بالذِكْر وَحْدَه، وفى سبعة مواضع مُقْتَرِن بذكر بنِيه.
أَمّا ذِكْره منفردًا ففى قوله تعالى: {كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} {قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَائهِمْ} {اسْجُدُواْ لآدَمَ} {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ} {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ} {يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ} {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ}.
وأَمّا المُقْتَرِن بِبَنِيه ففى قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا} {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى} {يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ الْجَنَّةِ} {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ} أَنشد بعض المحدّثين:
مَنَّتْكَ نَفْسُكَ ضلّة فأطَعْتَها ** سُبُلَ الرَّشَاد وهُنَّ غَيْرُ قَواصِدِ

تَضَعُ الذُّنُوبَ على الذُّنُوب وتَرْتَجِى ** دَرْكَ الجِنانِ بها وفَوْزَ العابِدِ

أَنَسِيتَ أَنَّ الله أَخْرَج آدَمًا ** من جَنَّةِ المَأْوَى بذَنْب واحدِ

قال أَبو إِسحاق الزّجَاج: اختلفت الآيات فيما بدئ به خَلْقُ آدَمَ، ففى موضع: {خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} وفى موضعٍ: {مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ} وفى موضعٍ: {مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} وفى موضع: {مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} قال: وهذه الأَلفاظ راجعة إِلى أَصل واحد، وهو التُّراب الذي هو أَصل الطِّين، فأعلمنا الله عز وجل أَنّه خُلِقَ من تراب جُعِلَ طينًا، ثمّ انتقل فصار كالحَمَأِ المَسْنُون، ثمّ انتقل فصار صَلْصالًا كالفخّار.
وقال الثعالبى في قوله تعالى حكاية عن إِبْلِيس أَنّه قال: {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}.
قال الحكماء أَخْطَأَ عَدُوُّ الله في تَفْضِيله النّارَ على الطِّين، لأنّ الطِّين أَفضلُ من النّارِ لوُجوهٍ:
أَحَدُها: أَنَّ من جَوْهَر الطِّين الرّزانة، والسُّكون، والوَقارُ، والحِلْمُ، والأَناةُ، والحَياءُ، والصَّبْر، وذلك سبب تَوْبةِ آدم وتواضُعِه فأورثَه المَغْفِرة والاجْتِباء والهِداية، ومن جَوْهَر النّار الخِفَّةُ والطَّيْشُ والحِدَّةُ والارتفاع والاضْطِراب، وذلك سببُ اسْتِكْبار إِبْلِيس، فأَوْرَثَه اللَّعْنَةَ والهَلاكَ.
والثَّانِى: أَنَّ الجَنَّة موضوفةٌ بأنَّ تُرابَها المِسْك، ولم يُنْقَل أَنَّ فيها نارًا.
الثالِثُ: أَنَّها سبب العذابِ بخلاف الطِّين.
الرّابع: أَنَّ الطّين مُسْتَغْنٍ عن النار، والنَّارُ محتاجةٌ إِلى مكانٍ وهو التّراب.
الخامس: أَنَّ الطّين سببُ جمْع الأَشياء، والنَّار سببُ تَفْريقها.
وفى صحيح مُسْلم عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «إِنَّ تعالَى خَلَق آدم يومَ الجُمعة».
وفى تاريخ دِمشْق عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلّى الله عليه وسلم يقُول: «أَنّا أَشْبهُ الناسِ بأَبِى آدم عليه السّلام، وكان أبى إِبراهِيم أَشبه الناس خَلْقًا وخُلُقًا، خَلَقَه الله عز وجل بيده، وأَسْجد له ملائكتَه، وأَسْكَنَه جنَّتَه، واصطفاه، وكَرَّمَ ذُرِّيَّتَه، وعلَّمه جميع الأَسماء، وجعله أَوَّل الأَنْبياء، وعلَّمهُ ما لم يَعْلَمه الملائكة المقرَّبون، وجعل من نسْله الأَنْبِياء والمُرْسلين والأَوْلِياء والصِّدِّيقين».
واشْتَهَر في كتب التواريخ أَنَّه عاشَ أَلْفَ سنة، وأَنَّه توفِّىَ بمكَّةَ، ودُفِنَ في جبل أَبِى قُبَيْسٍ، وحجَّ على رِجْلَيْه سِتِّين حجّةً من أَقصى بِلادِ الهِنْد. اهـ.

.تفسير الآية رقم (32):

قوله تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)}.

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{قالوا} متبرئين من العلم {سبحانك} أي ننزهك تنزيهًا يجل عن الوصف عن أن ننسب إليك نقصًا في علم أو صنع، ونتبرأ إليك مما يلزم قولنا من ادعاء العلم لسواك.
قال الحرالي: وفي هذا المعنى إظهار لفضلهم وانقيادهم وإذعانهم توطئة لما يتصل به من إباء أبليس- انتهى.
والحاصل أنه تصريح بتنزيه الله تعالى عن النقص وتلويح بنسبته إليهم اعتذارًا منهم عما وقعوا فيه، ولذا قالوا: {لا علم لنا} أي أصلًا {إلا ما علمتنا} فهو دليل على أنه لا سبيل إلى علم شيء من الأشياء إلا بتعليم الله.
قال الحرالي: ردًا لبدء الأمر لمن له البدء، ولذلك ورد في أثارة من علم: من لم يختم علمه بالجهل لم يعلم، وذلك الجهل هو البراءة من العلم إلا ما علم الله- انتهى.
ثم خصوه بما نفوه عن أنفسهم فقالوا: {إنك أنت} أي وحدك {العليم} أي العالم بكل المعلومات {الحكيم} أي فلا يتطرق إلى صنعك فساد بوجه فلا اعتراض أصلًا.
قال الحرالي: توكيد وتخليص وإخلاص للعلم والحكمة لله وحده، وذلك من أرفع الإسلام، لأنه إسلام القلوب ما حلاها الحق سبحانه به! فإن العلم والحكمة نور القلوب الذي تحيا به كما أن الماء رزق الأبدان الذي تحيا به! فإن العلم والحكمة نور القلوب الذي تحيا به كما أن الماء رزق الأبدان الذي تحيا به؛ والحكمة جعل تسبيب بين أمرين يبدو بينهما تقاض من السابق واستناد من اللاحق- انتهى.
وأصلها في اللغة المنع من الفساد ولا يكون ذلك إلا عن تمام العلم. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن الذين اعتقدوا أن الملائكة أتوا بالمعصية في قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} قالوا: إنهم لما عرفوا خطأهم في هذا السؤال رجعوا وتابوا واعتذروا عن خطئهم بقولهم: {سبحانك لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} والذين أنكروا معصيتهم ذكروا في ذلك وجهين:
الأول: أنهم إنما قالوا ذلك على وجه الاعتراف بالعجز والتسليم بأنهم لا يعلمون ما سئلوا عنه وذلك لأنهم قالوا إنا لا نعلم إلا ما علمتنا فإذا لم تعلمنا ذلك فكيف نعلمه.
الثاني: أن الملائكة إنما قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا} لأن الله تعالى أعلمهم ذلك فكأنهم قالوا إنك أعلمتنا أنهم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء فقلنا لك أتجعل فيها من يفسد فيها وأما هذه الأسماء فإنك ما أعلمتنا كيفيتها فكيف نعلمها. اهـ.
قال الفخر:
احتج أصحابنا بقوله تعالى: {لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} على أن المعارف مخلوقة لله تعالى وقالت المعتزلة المراد أنه لا علم لنا إلا من جهته إما بالتعليم وإما بنصب الدلالة والجواب أن التعليم عبارة عن تحصيل العلم في الغير كالتسويد فإنه عبارة عن تحصيل السواد في الغير لا يقال التعليم عبارة عن إفادة الأمر الذي يترتب عليه العلم لو حصل الشرط وانتفى المانع ولذلك يقال علمته فما تعلم والأمر الذي يترتب عليه العلم هو وضع الدليل والله تعالى قد فعل ذلك لأنا نقول المؤثر في وجود العلم ليس هو ذات الدليل بل النظر في الدليل وذلك النظر فعل العبد فلم يكن حصول ذلك العلم بتعليم الله تعالى وأنه يناقض قوله: {لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا}. اهـ.

.قال ابن عاشور:

جرد {قالوا} من الفاء لأنه محاورة كما تقدم عند قوله تعالى: {قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها} [البقرة: 30] وافتتاح كلامهم بالتسبيح وقوف في مقام الأدب والتعظيم لذي العظمة المطلقة، وسبحان اسم التسبيح وقد تقدم عند قوله: {ونحن نسبح بحمدك} [البقرة: 30] وهو اسم مصدر سَبَّحَ المضاعف وليس مصدرًا لأنه لم يجئ على أبنية مصادر الرباعي وقيل هو مصدر سَبَحَ مخففًا بمعنى نزه فيكون كالغفران والشكران، والكفران من غفر وشكر وكفر وقد كثر استعماله منصوبًا على المفعولية المطلقة بإضمار فعله ك {معاذ الله} [يوسف: 23] وقد يخرج عن ذلك نادرًا قال: سبحانك اللهم ذا السبحان وكأنهم لما خصصوه في الاستعمال بجعله كالعلم على التنزيه عدلوا عن قياس اشتقاقه فصار سبحان كالعلم الجنسي مثل برة وفجار بكسر الراء في قول النابغة:
فحملتُ برّة واحتملتُ فجارِ

ومنعوه من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون قال سيبويه: وأما ترك تنوين سبحان فلأنه صار عندهم معرفة وقول الملائكة: {لا علم لنا إلا ما علمتنا} خبر مراد منه الاعتراف بالعجز لا الإخبار عن حالهم لأنهم يوقنون أن الله يعلم ما تضمنه كلامهم.
ولا أنهم قصدوا لازم الفائدة وهي أن المخبر عالم بالخبر فتعين أن الخبر مستعمل في الاعتراف.
ثم إن كلامهم هذا يدل على أن علومهم محدودة غير قابلة للزيادة فهي مقصورة على ما ألهمهم الله تعالى وما يأمرهم، فللملائكة علم قبول المعاني لا علم استنباطها.
وفي تصدير كلامهم بسبحانك إيماء إلى الاعتذار عن مراجعتهم بقولهم: {أتجعل فيها من يفسد فيها} [البقرة: 30] فهو افتتاح من قبيل براعة الاستهلال عن الاعتذار.
والاعتذار وإن كان يحصل بقولهم: {لا علم لنا إلا ما علمتنا} لكن حصول ذلك منه بطريق الكناية دون التصريح ويحصل آخرًا لا ابتداء فكان افتتاح كلامهم بالتنزيه تعجيلًا بما يدل على ملازمة جانب الأدب العظيم {إنك أنت العليم الحكيم} ساقوه مساق التعليل لقولهم: {لا علم لنا إلا ما علمتنا} لأن المحيط علمه بكل شيء المحكم لكل خلق إذا لم يجعل لبعض مخلوقاته سبيلًا إلى علم شيء لم يكن لهم قبل بعلمه إذ الحصول بقدر القبول والاستعداد أي فلا مطمع لنا في تجاوز العلم إلى ما لم تهيئ لنا علمه بحسب فطرتنا.
والذي دل على أن هذا القول مسوق للتعليل وليس مجرد ثناء هو تصديره بإن في غير مقام رد إنكار ولا تردد.
قال الشيخ في دلائل الإعجاز ومن شأن إنَّ إذا جاءت على هذا الوجه أي أن تقع إثر كلام وتكون لمجرد الاهتمام أن تغني غناء الفاء العاطفة مثلًا وأن تفيد من ربط الجملة بما قبلها أمرًا عجيبًا فأنت ترى الكلام بها مقطوعًا موصولًا، وأنشد قول بشار:
بَكِّرا صاحبيَّ قبلَ الهجير ** إنَّ ذاك النجاح في التبكير

وقول بعض العرب:
فغنِّها وهي لك الفِداء ** إِنَّ غِناء الإبل الحُدَاء

فإنهما استغنيا بذكر إنَّ عن الفاء، وإن خلفًا الأحمر لما سأل بشارًا لماذا لم يقل: بكرا فالنجاح في التبكير أجابه بشار بأنه أتى بها عربية بدوية ولو قال: فالنجاح لصارت من كلام المولدين أي أجابه جوابًا أحاله فيه على الذوق وقد بين الشيخ عبد القاهر سبَبه.
وقال الشيخ في موضع آخر ألا ترى أن الغرض من قوله:
إن ذاك النجاح في التبكير

أن يبيَّن المعنى في قوله لصاحبيه: بكرا وأن يحتج لنفسه في الأمر بالتبكير ويبين وجه الفائدة منه. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالُواْ سبحانك لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} استئناف واقع موقع الجواب كأنه قيل: فماذا؟ قالوا إذا ذاك: هل خرجوا عن عهدة ما كلفوه أولًا؟ فقيل: {قَالُواْ} إلخ.
وذكر غير واحد أن الجمل المفتتحة بالقول إذا كانت مرتبًا بعضها على بعض في المعنى فالأفصح أن لا يؤتى فيها بحرف اكتفاء بالترتيب المعنوي، وقد جاء في سورة الشعراء من ذلك كثير، بل القرآن مملوء منه، وسبحان قيل: إنه مصدر، وفعله سبح مخففًا بمعنى نزه، ولا يكاد يستعمل إلا مضافًا، إما للمفعول أو الفاعل منصوبًا بإضمار فعل وجوبًا، وقوله:
سبحانه ثم سبحانًا نعوذ به ** وقبلنا سبح الجودي والجمد

شاذ كقوله:
سبحانك اللهم ذا السبحان

ومجئيه منادى مما زعمه الكسائي ولا حجة له وذهب جماعة إلى أنه علم للتسبيح بمعنى التنزيه لا مصدر سبح بمعنى قال: سبحان الله لئلا يلزم الدور ولأن مدلول ذلك لفظ ومدلول هذا معنى واستدل على ذلك بقوله:
قد قلت لما جاءني فخره ** سبحان من علقمة الفاخر

إذ لولا أنه عَلَمٌ لوجب صرفه لأن الألف والنون في غير الصفات إنما تمنع مع العلمية، وأجيب بأن سبحان فيه على حذف المضاف إليه أي سبحان الله وهو مراد للعلم به، وأبقى المضاف على حاله مراعاة لأغلب أحواله وهو التجرد عن التنوين وقيل: من زائدة والإضافة لما بعدها على التهكم والاستهزاء به، ومن الغريب قول بعض: إن معنى {سبحانك} تنزيه لك بعد تنزيه، كما قالوا في لبيك إجابة بعد إجابة، ويلزم على هذا ظاهرًا أن يكون مثنى ومفرده سبحا وأن لا يكون منصوبًا بل مرفوع وأنه لم تسقط النون للإضافة وإنما التزم فتحها، ويا سبحان الله تعالى لمن يقول ذلك، والغرض من هذا الجواب الاعتراف بالعجز عن أمر الخلافة، والقصور عن معرفة الأسماء على أبلغ وجه كأنهم قالوا: لا علم لنا إلا ما علمتنا ولم تعلمنا الأسماء فكيف نعلمها؟ وفيه إشعار بأن سؤالهم لم يكن إلا استفسارًا، إذ لا علم لهم إلا من طريق التعليم، ومن جملته علمهم بحكمة الاستخلاف مما تقدم فهو بطريق التعليم أيضًا فالسؤال المترتب هو عليم سؤال مستفسر لا معترض وثناءً عليه تعالى بما أفاض عليهم مع غاية التواضع ومراعاة الأدب وترك الدعوى، ولهذا كله لم يقولوا لا علم لنا بالأسماء مع أنه كان مقتضى الظاهر ذلك، ومن زعم عدم العصمة جعل هذا توبة، والإنصاف أنه يشبهها ولكن لا عن ذنب مخل بالعصمة بل عن ترك أولى بالنسبة إلى علو شأنهم ورفعة مقامهم إذ اللائق بحالهم على العلات أن يتركوا الاستفسار ويقفوا مترصدين لأن يظهر حقيقة الحال.
وما عند الجمهور موصولة حذف عائدها وهي إما في موضع رفع على البدل أو نصب على الاستثناء.
وحكى ابن عطية عن الزهراوي أنها في موضع نصب ب {عَلَّمْتَنَا} ويتكلف لتوجيهه بأن الاستثناء منقطع، ف {إِلا} بمعنى لكن.
و{مَا} شرطية والجواب محذوف كأنهم نفوا أولًا سائر العلوم ثم استدركوا أنه في المستقبل أي شيء علمهم علموه ويكون ذلك أبلغ في ترك الدعوى كما لا يخفى. اهـ.